أركان جريمة الرشوة في القانون الاردني

دار العلوم
المؤلف دار العلوم
تاريخ النشر
آخر تحديث

 

المبحث الثاني

أركان جريمة الرشوة

 

نصت المادة(170) من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته على أن " كل موظف وكل شخص ندب إلى خدمة عامة سواء بالانتخاب أو بالتعيين وكل شخص كلف بمهمة رسمية كالمحكم والخبير والسنديك طلب أو قبل لنفسه أو لغيره هدية أو وعداً أو أية منفعة أخرى ليقوم بعمل حق بحكم وظيفته عوقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة تعادل قيمة ما طلب أو قبل من نقد أو عين".

 

كما نصت المادة (171) من قانون العقوبات على عقوبة الرشوة حيث جاء بها "1- كل شخص من الأشخاص المذكورين في المادة السابقة طلب أو قبل لنفسه أو لغيره هدية أو وعداً أو أية منفعة أخرى ليعمل عملاً بغير حق أو ليمنع عن عمل كان يجب أن يقوم به بحكم وظيفته ، عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة وبغرامة تعادل قيمة ما طلب أو قبل من نقد أو عين. 2-يعاقب بالعقوبة نفسها المحامي إذا ارتكب هذه الأفعال" ، وكذلك نصت المادة (172) من قانون العقوبات على عقوبة الراشي حيث جاء فيها " 1-يعاقب الراشي أيضاً بالعقوبات المنصوص عليها في المادتين السابقتين. 2-يعفى الراشي والمتدخل من العقوبة إذا باحا بالأمر للسلطات المختصة أو اعترفا به قبل إحالة القضية إلى المحكمة".

 

وكذلك نصت المادة (173) من قانون العقوبات على عقوبة عرض الرشوة حيث جاء فيها " من عرض على شخص من الأشخاص الوارد ذكرهم في المادة (170) هدية أو منفعة أخرى أو وعده بها ليعمل عملاً غير حق أو ليمتنع عن عمل كان يجب أن يقوم به عوقب –إذا لم يلاق العرض أو الوعد قبولاً – بالحبس لا اقل من ثلاثة أشهر وبغرامة من عشرة دنانير إلى مائتي دينار".

 

قبل البدء بتحديد أركان جريمة الرشوة في القانون الأردني لا بد من التطرق للطبيعة القانونية لهذه الجريمة ، هل هي جريمة واحدة متعددة الأفعال أم أنها جريمتان متلازمتان (العرض والطلب) ، فقد ظهر نظامان فقهيان في تحديد أحادية الرشوة وثنائيتها ، حيث تبنى بعض الفقهاء القانونيين فصل جريمة الراشي عن جريمة المرتشي ، إلا أن جانب أخر قد تبنى نظام أحادية الجرم رغم وجود طرفين وأفعال مختلفة من قبلهما.([1])

 

لم يضع المشرع الأردني نصوصا قانونية خاصة بالرشوة السلبية والإيجابية كل على حدا ، ولم يقم بالفصل بين الموظف وصاحب الحاجة في التجريم ، فنلاحظ من خلال النصوص السابقة أن المشرع الأردني خصص المادتين (170 ، 171) من قانون العقوبات لتعريف الرشوة وأركانها ، وكذلك نص في المادة (172/1) من قانون العقوبات على عقوبة الراشي التي تم تماثل عقوبة المرتشي ، ومن هنا نلاحظ أن المشرع الأردني قد اخذ بنظام أحادية جريمة الرشوة ، وحتى لا يفلت الراشي في حالة العرض الخائب للرشوة نصت المادة (173) على عقوبة العرض الخائب للرشوة بشكل مستقل عن جريمة الرشوة.

 

بعد فهمنا للطبيعة القانونية لجريمة الرشوة وخطة المشرع الأردني في تكييفها يمكننا أن نقسم أركان جريمة الرشوة إلى ثلاثة هي الركن مفترض والركن المادي والركن المعنوي، والتي سوف نتناولها من خلال ثلاثة مطالب رئيسية، هي:

-                   المطلب الأول: الركن المفترض

-                   المطلب الثاني: الركن المادي

-                   المطلب الثالث: الركن المعنوي

 

المطلب الأول

 الركن المفترض

 

تعتبر جريمة الرشوة إحدى صور الاعتداء على الوظيفة العامة لذلك فهي تقترن بصفة المرتشي ، فتفرض هذه الجريمة أن يكون المرتشي موظفاً عاماً ، فلا يمكن تصور أن تقوم جريمة الرشوة بمعزل عن موظف عام أو من هو بحكم الموظف العام من الفئات التي نص عليها قانون العقوبات في المادة (170) من قانون العقوبات ، فالرشوة من الجرائم التي تتطلب صفة ولا يعد فاعلاً رئيسياً لهذه الجريمة إلا من يحمل صفة الموظف العام ، أما من لا يحمل صفة الموظف العمومي أو من بحكمه فقد يكون مساهماً أو فاعلاً بالضرورة في هذه الجريمة.([2])

 

لكن ذلك قد لا يكون كافياً فالمشرع يوجب أن يكون الموظف موظفاً فعلياً بالنسبة للعمل أو الامتناع وانه يتلقى مقابلاً لعمله الذي يقوم به أي أن يتوفر عنصر الاختصاص في هذا العمل.([3]) ، لهذا فإن هذا الركن من أركان جريمة الرشوة يقتضي أمرين رئيسيين هما صفة الموظف العام أو من بحكمه واختصاص الموظف العام.

 

أولاً:صفة الموظف العام أو من بحكمه:

عرف القضاء الإداري الموظف العام على انه "الشخص الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو احد أشخاص القانون العام"([4]) ، فيشترط في العمل الموظف العام بناءا على التعريف السابق شرطين رئيسيين هما: 1-القيام بعمل دائم. 2-الخدمة في مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام ، وقد عرف نظام الخدمة المدنية رقم 82 لسنة 2014 الموظف العام في المادة (2) على أنه "الشخص المعين بقرار من المرجع المختص في وظيفة مدرجة في جدول تشكيلات الوظائف الصادر بمقتضى قانون الموازنة العامة أو موازنة إحدى الدوائر والموظف المعين بموجب عقد ولا يشمل الشخص الذي يتقاضى أجرا يومياً"

 

كما عرف المشرع الأردني للموظف العام في المادة (169) من قانون العقوبات ، حيث جاء فيها "يعد موظفاً عاماً بالمعنى المقصود في هذا الباب كل موظف عمومي في السلك الإداري أو القضائي ، وكل ضابط من ضباط السلطة المدنية أو العسكرية أو فرد من أفرادها ، وكل عامل أو مستخدم في الدولة أو في إدارة عامة" ، ومن خلال التدقيق في تعريف قانون العقوبات للموظف العام بأنه قد جاء أكثر شمولاً وأتساعا من التعريفات الواردة في القوانين الأخرى سواءاً في القانون الإداري أو المدني على حد سواء.

 

ولم يرد في هذا التعريف أي نصوص مقيدة لصفة الوظيفة العمومية كشرط الجنسية أو الوقف عن العمل أو الإجازة ، فيقع تحت هذا التعريف الموظف الأجنبي الذي يعمل في الحكومة كالخبير آو أساتذة الجامعات فتقع الرشوة ما دام هذا الشخص قد مارس أعمال وظيفته بشكل فعلي.([5])

 

ويشترط في الموظف العام ثلاثة شروط ، هي:

‌أ-     الشرط الأول: المساهمة في العمل بمرفق عام:

ويفترض هذا الشرط أن يكون الشخص يعمل في احد المرافق العامة التي تديرها الدولة أو التي تتبع أحد أشخاص القانون العام ، وتقسم هذه المرافق إلى مرافق إدارية واقتصادية ومهنية.([6])

 

‌ب- الشرط الثاني: القيام بعمل دائم:

لكي يعتبر الموظف موظفاً عاماً أن يشغل الوظيفة بصفة دائمة ، كما يجب أن يكون هنالك علاقة تبعية بين الموظف والمرفق العام وان تكون هذه العلاقة دائمة وليست عارضة ، ويستثنى من ذلك من يعمل في المرفق لفترة محددة كعمال المياومة أو الخبراء أو محام يتولى متابعة قضية في هذا المرفق وتنتهي علاقته بهذا المرفق بمجرد انتهاء القضية.

 

‌ج-  الشرط الثالث: أن يجري تعيينه بأداة قانونية ومن سلطة تملك ذلك:

فيجب على الموظف العام أن يتم تعيينه بشكل رسمي سواء بالتعيين أو الانتخاب أو المسابقة أو أي من طرق التعيين المعتمدة من قبل السلطة العامة التي تملك الحق بتعيين الموظفين ، ولكن يثور السؤال في حال وجود احد الأشخاص ينتحل صفة موظف عام أو أن يكون يقوم بأعمال الموظف الفعلي لسبب ما.

 

ومن هنا تجدر الإشارة إلى نظرية الموظف الفعلي ، ويمكن تعريف الموظف الفعلي على أنه "الفرد الذي عين تعييناً معيباً أو الذي لم يصدر بتعيينه قرار إطلاقاً ومع ذلك تعد الأعمال الصادرة منه سليمة.([7])

 

ففي حالة الموظف الفعلي وتطبيق أحكام الرشوة عليه فإن ذلك قد أثار جدلاً فقهياً واسعاً ، فيرى جانب من الفقه أن الموظف الذي اختل شرط من شروط تعيينه أدى إلى بطلان تعيينه لا يمكن تطبيق أحكام الرشوة عليه أما إذا كان مجرد نقص في إجراءات التعيين فإن أحكام الرشوة تطبق عليه.([8])

 

وقد ذهب رأي من الفقه إلى التمييز بين النقص الجوهري في إجراءات التعيين والذي لم يفقد الموظف نفوذه وسلطته ولو بشكل ظاهري ففي هذه الحالة تطبق أحكام الرشوة عليه ، أما إذا كان النقص الجوهري في إجراءات التعيين يمنع الموظف من ممارسة نفوذه وسلطته ففي هذه الحالة لا تطبق أحكام الرشوة عليه.([9])

 

وذهب رأي ثالث إلى القول أن العيب الذي شاب تعيين الموظف إن كان بسيطاً بحيث لا يستطيع الناس إدراكه كونه يحل في منصب يمثل سلطات الدولة ويعمل باسمها ، فتصرفه المشين بالرشوة يخل بثقتهم بالسلطات العامة ، لذلك وجب تطبيق أحكام الرشوة عليه ، أما في حال كون العيب واضحاً للناس بحيث يمكن إدراكه ففي هذه الحالة لا تطبق أحكام الرشوة لأنها لا تنعكس على ثقة الناس بالسلطات العامة.([10]) ، وترى الباحثة أن هذا الرأي هو الأوجه والحري بالقبول لأن الهدف من التشريع الجزائي هو ردع كل مسيء وتحصين المجتمع من الجرائم ، وزيادة الثقة بالسلطات العامة وأعمال موظفيها وهذا أيضا يخدم استقرار المعاملات.

 

لم يكتفي المشرع الأردني في قانون العقوبات بحصر الرشوة بالموظف العام فحسب بل إنه قد اعتبر بعض الفئات بحكم الموظفين العامين وهذا يتضح من المادة (170) من قانون العقوبات حيث جاء فيها بالإضافة للموظف "...وكل شخص ندب إلى خدمة عامة سواء بالانتخاب أو بالتعيين وكل شخص كلف بمهمة رسمية كالمحكم والخبير والسنديك...." ، فجميع هذه الفئات التي تم ذكرها بالمادة السابقة حتى ولو لم يكن موظفاً رسمياً أو حتى لو لم يكن يتقاضى مقابلاً لعمله فإنه يعتبر بحكم الموظف الرسمي بما أنه يشغل منصباً أو نفوذاً عاماً.

1.    كل شخص ندب لخدمة عامة: ويقصد بالخدمة العامة النشاطات أو الخدمات التي يرى الرأي العام وجوبها على الحاكم في وقت معين ، وهي تجب على الحاكم نظراً لأهميتها وعدم مقدرة أي جهة أخرى تأديتها على الوجه الأكمل دون تدخل الحكام.([11]) وقد عرفها هوريو بأنها " خدمة فنية تقوم بها السلطات العامة للجمهور بطريق منظم مستمر إرضاءاً لحاجة من الحاجيات".([12])

 

ولا يحول دون المسؤولية الجزائية عن جريمة الرشوة كون الانتداب جاء بشكل مؤقت وعارض ، بل يستوي كون الانتداب المؤقت والعارض مع الدائم ، ويدخل ضمن هذه الفئة أعضاء المجالس النيابية المعينين والمنتخبين ، ولا يحول دون تطبيق أحكام جريمة الرشوة على العضو النيابي بطلان انتخابه بعد تلقي الرشوة.([13])

 

2.    كل شخص كلف بمهمة رسمية كالمحكم والخبير والسنديك: ويدخل ضمن هذه الفئة أي شخص يتلقى تكليفاً رسمياً ممن يملك القرار بذلك وهذا ما أكدت عليه محكمة التمييز في قرارها رقم 17/1975 " يستفاد من نصوص المواد(2 ،4، 7/2) من قانون التحكيم رقم 18 لسنة 1953 أن المحكم سواء أكان صادر به قرار من المحكمة وملف بمهمة رسمية بالمعنى المقصود في المادة (170) من قانون العقوبات ، حيث أنه يملك الصلاحية لتحليف الشهود وتقديم الطلبات إلى المحكمة وإصدار القرار في النزاع لهذا فإن حكم المادتين 170 و 171 من قانون العقوبات تنطبق على المحكم إذا أقدم على طلب الرشوة".([14])

 

كما أن ورود عبارة المحكم والخبير والسنديك قد وردت في المادة (170) من قانون العقوبات على سبيل المثال لا الحصر ويستفاد ذلك من وجود حرف الكاف في بداية عبارة كالمحكم والخبير والسنديك ، فالمترجم الذي يتم انتخابه في المحكمة يدخل ضمن هذه الفئة رغم عدم النص عليه صراحة ، وكذلك يدخل ضمن هذه الفئة حارس الأموال الذي يتم انتخابه من قبل المحكمة.

 

3.    المحامين: ويتضح ذلك من خلال نص المادة (171/2) من قانون العقوبات والتي جاء بها "يعاقب بالعقوبة نفسها المحامي إذا ارتكب هذه الأفعال" ، فالمحامي يخضع لأحكام الرشوة الواردة في قانون العقوبات ، ففي حالة أن المحامي قد طلب أو قبل هدية أو منفعة أو وعداً بمنفعة للقيام بعمل غير محق بحكم مهنته أو امتنع عن عمل كان واجبا عليه خضع لأحكام الرشوة ، أما إذا اخذ مالاً مقابل عمله فلا يعتبر ذلك من الأفعال التي توصف بأنها رشوة.([15])

 

 

 

ثانياً: اختصاص الموظف العام:

إن جريمة الرشوة تتمثل باتجار الموظف بأعمال وظيفته ، وهذا يقتضي أن يتحصل الموظف على مال أو منفعة لقاء عمل يقوم به أو يمتنع عنه ، لذلك فيجب أن يكون الموظف مختصاً أصلاً بهذا العمل وبشكل حقيقي ويتضمن ذلك الموظف الذي يزعم أنه مختص بهذا العمل.([16])

 

ويلاحظ من خلال استقراء نصوص المواد (170 ، 173) من قانون العقوبات أن المشرع قد أورد لفظ "بحكم وظيفته" وهذا اللفظ يدل على أن المشرع الأردني قد أولى أهمية كبيرة لمسألة الاختصاص الوظيفي الحقيقي ، ويمكن تقسيم الاختصاص الوظيفي للموظف إلى ثلاثة أنواع هي ،الاختصاص الحقيقي والاختصاص المزعوم والاختصاص المعتقد فيه خطأ.

 

ويقصد بالاختصاص الحقيقي للموظف أن يكون القانون قد خوله سلطة القيام بالأفعال التي تدخل ضمن السلطات الممنوحة له بموجب أحكام القانون ، وقد يمكن تحديد هذه السلطات في بعض الأحيان بموجب أوامر شفوية ، ويدخل ضمن الاختصاص الفعلي أي أعمال توضع للخدمة العامة التي يكلف بها الموظف من قبل رؤساءه بشكل صحيح ، فالخدمة العامة تلحق بالوظيفة الأصلية.

 

ولا يكتفي أن يكون الموظف المختص بالعمل في جميع أدواره ولكن إن كان الموظف مختصاً بدور من الأدوار على الأقل ، كما يمكن أن يتحمل مسؤولية جزائية عن جرم الرشوة في حال كان له دور استشاري أو إداري يسمح بتمرير الغرض من الرشوة.

 

أما الاختصاص المزعوم فإنه يقتضي من الشخص الذي زعم أنه صاحب اختصاص وهو في الواقع غير مختص أن يكون قد مارس نوعا من الغش والتدليس على الراشي وهذا لا يعفيه من المسؤولية الجزائية عن جرم الرشوة.

 

أما الحالة الثالثة هي الاعتقاد الخاطئ بالاختصاص ويقصد بالاعتقاد الخاطئ أن الموظف المرتشي يعتقد بأنه مختص بخلاف الواقع ، وهنا لا يعتبر باعتقاد صاحب الحاجة ، ومن الأمثلة على ذلك أن يأخذ احد الموظفين رشوة لأداء عمل يعتقد بأنه احد أعمال الوظيفة التي يشغلها وعند البحث تبين بأن هذا العمل لا يختص به الموظف.

 

وقد أكدت محكمة التمييز على ذلك في قرار لها رقم35/1960 حيث جاء بها "بأنه من الضروري لتوافر أركان جريمة الرشوة أن تكون الأفعال التي يطلب من الموظف العمومي أداؤها داخلة ضمن حدود وظيفته مباشرة بل يكفي أن يكون له علاقة بها".([17])

 

يخرج عن اختصاص الموظف العام الأعمال التي يقوم بها الموظف خارج أوقات دوامه وقد قام به الموظف دون صفة العمل الرسمي ، كأن يقوم احد الأطباء اللذين يعملون في مستشفى رسمي بالعمل خارج أوقات الدوام الرسمي في عيادته الخاصة أو عيادة إحدى الأطباء ، أو أن يرقم موظف في قسم الحاسوب في دائرة حكومية بإصلاح احد أجهزة الحاسوب في منزل احد المواطنين.

 

المطلب الثاني

 الركن المادي

 

يتمثل الركن المادي في جريمة الرشوة في نشاط سلبي أو ايجابي يصدر عن المرتشي يبين فيه رغبته في التربح من وظيفته يتخذ الركن المادي في جريمة الرشوة بالنسبة للموظف العام أو من هو بحكمه صورة طلب أو قبول ، لفائدة أو وعد بها لقاء ما يقوم به من عمل أو امتناع عن عمل أو إخلال بواجبات الوظيفة ، وسوف نقوم من خلال هذا المطلب بالتعرض لعناصر الركن المادي من خلال الاطلاع على مواد قانون العقوبات المتعلقة بالرشوة إلى ثلاثة عناصر رئيسية ، هي:([18])

العنصر الأول: صور النشاط الإجرامي

العنصر الثاني: محل جريمة الرشوة

العنصر الثالث : الغرض من الرشوة

 

العنصر الأول: صور النشاط الإجرامي:

أولاً: الطلب: يعتبر الطلب الذي يصدر عن الموظف العام أو من بحكمه في جريمة الرشوة تعبير عن الإرادة المنفردة للموظف عن رغبته في الحصول على مقابل نظير قيامه بأداء عمل وظيفي أو الامتناع عن عمل ، ولا يشترط في ذلك قبول صاحب المصلحة بل أن هذا الطلب بحد ذاته كاف لتوافر النشاط الإجرامي الصادر بالإرادة المنفردة ، أي إيجاب الرشوة ولو لم يقترن هذا الإيجاب بقبول صاحب المصلحة ويعود ذلك لقيام الموظف بالاتجار وعرضه لعمله الوظيفي كسلعة يتم التفاوض عليها مع صاحب المصلحة وفي ذلك إخلال بمبادئ النزاهة الوظيفية ، فالمبادرة في هذه الصورة تكون من قبل الموظف ذاته وتبين هذه الصورة أن الموظف قد باع ذمته بالفعل وعبث بواجباته الوظيفية.([19])

 

ويعتبر الطلب من اخطر صور الرشوة على الإطلاق لأنه يمثل أقصى درجات الاستهتار والعبث من قبل الموظف العام بالوظيفة العامة ، لذلك فقد حاول المشرع التصدي لهذه الصورة بشيء من الحزم باعتباره أن مجرد الطلب يعني وقوع جريمة الرشوة ، فالعبرة هنا بسلوك الموظف العام ولا عبرة بسلوك صاحب المصلحة.([20])

 

فوجود صاحب المصلحة يعتبر من الظروف المهيأة لوقوع الرشوة ، على أنه يشترط لوقوع جريمة الرشوة من خلال الطلب أن يصل الطلب إلى علم صاحب المصلحة أو وسيطه .([21]) ويعتبر قبول صاحب المصلحة لطلب الرشوة آثر من الآثار التي تترتب على جريمة الرشوة.([22])

 

وترى الدراسة أن ما ذهب إليه المشرع يعتبر من باب تغليظ العقوبة ، لأن مجرد طلب الرشوة من الموظف لا يعدو أن يكون شروعاً في الرشوة ، وقد اعتبر المشرع هذا الشروع عملاً تنفيذياً تاماً مكتمل بموجب نص المادة(170 ،171) من قانون العقوبات ، واعتبر المشرع أن جريمة الرشوة من الجرائم الشكلية التي لا يتصور الشروع فيها.

 

يستوي في هذه الصورة من صور جريمة الرشوة أن يكون الطلب للموظف نفسه أو لمصلحة غيره، كأن يطلب الرشوة لمصلحة زوجته أو ابنه أو أحد أصدقائه فعلى هذا يعد طلب موظف للرشوة لموظف آخر فاعلاً أصلياً لجريمة الرشوة وليس شريكاً فيها.([23])

 

ثانياً: القبول:ويقصد بالقبول كصورة من صور جريمة الرشوة الرضا بالدفع المؤجل ، أي أن إرادة المرتشي قد اتجهت إلى الرضا بالمقابل في فترة مستقبلية ، ففي هذه الصورة لا يحوز المرتشي الهدية بالقبول بل يكون قد حصل على وعد بها ، فالمشرع قد استخدم عبارة "أو قبل" ومقصوده هنا الفترة المستقبلية.([24])

 

وتقوم الرشوة في هذه الصورة حتى ولو لم يحصل الموظف على الفائدة بعد ذلك بشكل فعلي ، بل إن فعل الرشوة يقوم بمجرد القبول بالوعد حتى وإن لم يتحقق ، كما أن الرشوة تقوم حتى لو لم يقم الموظف بالعمل المطلوب منه أو الامتناع عن العمل الذي حدث الوعد لأجل تحقيقه ، كما أن القبول لا يتطلب شكلية معينة لقيامه بل إنه يقوم سواء بالكتابة أو القول أو حتى بالإيماء كذلك صراحة أو ضمناً يستنتج من ظروف الأحوال.([25])

 

ومن التطبيقات على ما سبق في محكمة التمييز قرار رقم 95/72 حيث جاء فيه "إن قبض المميز مبلغ دينارين من أجل الامتناع عن عمل كان يجب أن يقوم به بحكم وظيفته ، يشكل رشوة بالمعنى المقصود في المادة (171) المعدلة من قانون العقوبات ، ولا يغير من وصف هذا الفعل أنه ترك المشتكي عليه قبل أن يقبض المبلغ".([26])

 

ويشترط في القبول من قبل الموظف أن يكون قبولاً جدياً ، فقد يقوم الموظف بالقبول بشكل ظاهري بهدف أن يقوم بتسهيل مهمة الإيقاع بالراشي متلبساً بجرمه ، ففي هذه الحالة لا يعتد بالقبول من قبل الموظف فنكون هنا أمام حالة من الإيجاب التي لم يقابلها قبول صحيح.

 

أما بالنسبة للراشي فلا يمكن الاعتداد بعرضه إن لم يكن هذا العرض جاداً ومن الأمثلة على ذلك قول احد المراجعين لموظف ما خذ جميع ما املك مقابل أن تقوم بعمل ما ، فهذا العرض في جوهره لا ينطوي على عرض حقيقي بل هو اقرب ما يكون للهزل والتمني عن العرض الحقيقي للرشوة.

 

ثالثاً: الشروع في الرشوة: إن الرشوة من القضايا التي أثارت جدلاً فقهياً حول مسألة الشروع فيها ، فقد ذهب جانب من الفقه إلى القول باستحالة الشروع في حالة القبول لأن القبول بحد ذاته يوقع جريمة الرشوة بغض النظر عن التنفيذ وما يؤول إليه ، أما في حالة الطلب فإن الشروع قد يتصور فيه في حالة عدم وصول الطلب إلى صاحب المصلحة ، كأن يقوم الموظف بإرسال طلبه إلى صاحب الحاجة ويتم اعتراضه قبل أن يصل الطلب إلى علم صاحب الحاجة (كضبط البريد أو الوسيط قبل أن يبلغ صاحب الحاجة).([27])

ويرى جانب أخر من الفقه أن الشروع يتصور في جميع صور جريمة الرشوة سواء الطلب أو القبول، كأن يقوم الموظف بكتابة قبوله ومن ثم يفقد هذا القبول أو يضبط القبول قبل أن يصل إلى علم صاحب الحاجة.([28])

 

وترى الدراسة أن الطلب في جرائم الرشوة يعتبر من الأعمال التنفيذية التي تكفي لوقوع جريمة الرشوة لذلك لم يعد هنالك مجال للشروع في الرشوة فهي إما أن تقع وإما أن لا تقع ، فالمشرع يجرم الطلب الخائب ويعطيه صفة الجريمة التامة أصبحت جريمة الرشوة من الجرائم الشكلية التي لا يتصور فيها الشروع ، وتكون جميع الأعمال التي تسبق الطلب هي أعمال تحضيرية.

 

في نهاية هذا المطلب لا بد من الإشارة إلى أن خطة المشرع الأردني في تجريم الرشوة قد خلت من النص على صورة مهمة من صور الرشوة وهي "الأخذ" وهذه الصورة قد نص عليها في التشريع المصري ، فعلى سبيل المثال لو أن احد أصحاب المصلحة ذهب لدفع رسوم ما بمقدار ثمانية عشر دينار وقام بإعطاء المحاسب عشرون دينار فلم يعد الباقي ولم يظهر انه يأخذ رشوة فهنا لا نكون أمام جريمة رشوة حسب خطة المشرع الأردني ، وهذا قصور خطير في التشريع الأردني وعلى المشرع الأردني تدارك هذا القصور ومعالجته ، لأن فعل الأخذ ينطوي على خطورة كبيرة تمس الوظيفة العامة.

 

 

 

العنصر الثاني: محل جريمة الرشوة:

يقصد بمحل جريمة الرشوة المقابل الذي يقبضه المرتشي عن قيامه بالعمل أو امتناعه عنه ، وقد حدد المشرع الأردني محل جريمة الرشوة في المواد (170 ، 171) من قانون العقوبات حيث ورد في المادتين السابقتين ".....قبل لنفسه أو لغيره هدية أو وعداً أو أية منفعة أخرى..." ، فقد خص المشرع الأردني محل جريمة الرشوة بالهدية أو المنفعة وعادة تكون كل هدية فيها منفعة.

 

فالمنفعة تكون أوراق مالية "نقود" أو مجوهرات أو ترقية في الوظيفة أو مساعدة في مسألة معينة كتعين احد الأقارب في وظيفة معينة ، وقد شمل المشرع الأردني أغلب الصور لمحل جريمة الرشوة حينما قال "أو أي منفعة أخرى" ، وقد تشتمل المنفعة على نوعين المنفعة المادية والغير مادية ، فالفائدة المادية تعني "كل شيء يسلم من أموال إلى المرتشي ، يداً بيد أياً كان نوعها".([29]) ، أما المنفعة غير المادية فهي " المنفعة التي لا تقوم بمال".([30])

 

ولكن بالتدقيق في الركن المادي لجريمة الرشوة نلاحظ بأن المشرع لم يشترط أن يكون محل الجريمة مسلماً للمرتشي يداً بيد ، ولكن يكفي لقيام المحل في جريمة الرشوة أن يكون عبارة عن هدية مؤجلة أو منفعة مؤجلة ، وتقوم جريمة الرشوة سواء أوفى الراشي بوعده أم لم يفي لكن الوعد بالهدية يجب أن يكون وعداً حقيقياً ، وليس على سبيل العبث كأن يعده بشيء لا يمكن تحقيقه ، ولا يميز القانون بين الفائدة التي يبتغيها الموظف لنفسه أو لغيره أو مدى التناسب بين الفائدة والعمل الذي يبتغيه صاحب الحاجة.

العنصر الثالث : الغرض من الرشوة

إن الهدف مما يقوم به الراشي "صاحب الحاجة" من قيامه بإعطاء الموظف هدية أو منفعة أو وعده بهدية أو منفعة في غالب الأحيان لسبب يعود لمكانة الموظف الوظيفية ، فيقوم بإعطائه العطية لكي يقوم بأداء عمل أو امتناع عن عمل بحدود وظيفته ، ولا يعطيه عادة للقيام بعمل لا علاقة له بوظيفته ، وقد عبر المشرع الأردني عن ذلك في المواد (170 ، 171) من قانون العقوبات الأردني عندما قال " بحكم وظيفته" ، وقد يأخذ الغرض من الرشوة عدة أشكال منها:

1.       قيام الموظف بعمل من أعمال وظيفته أو إدعى انه من أعمال وظيفته أو اعتقد ذلك خطئاً، ويمثل هذا الشكل من مقابل الفائدة صورة إيجابية لمقابل فعل الرشوة ، ويستوي في هذه الحالة أن يكون القيام بالعمل مشروعاً بذاته.([31])

2.    الامتناع عن العمل ، وهي الصورة السلبية لجريمة الرشوة حيث يمتنع الموظف عن القيام بعمل ما يقع تحت اختصاصه ، والهدف من هذا الامتناع من قبل الموظف مصلحة للراشي.

3.    الإخلال بواجبات الوظيفة ، وهي إحدى صور العبث في الوظيفة العامة ، حيث يقوم الموظف بعمل بخلاف ما هو متعارف عليه بحكم عمله الوظيفي وذلك لكي يحقق مصلحة للراشي على خلاف ما يقتضيه عمله ، وهي من اخطر صور الرشوة ، ولعل من أوضح الأمثلة على هذه الصورة أن يقوم احد التجار برشوة الموظف المسؤول عن التفتيش الصحي لكي يقوم بمخالفة تاجر أخر لكي يصار إلى إغلاق محله التجاري لكي يزيد من أرباحه ، فهنا نحن أمام إخلال الموظف بواجباته الوظيفية التي تقتضي أن يكون عادلاً في عمله وأن لا يلفق المخالفات لمن لا يستحقها بمقابل منفعة من صاحب المصلحة.

المطلب الثالث

 الركن المعنوي

 

إن جريمة الرشوة من الجرائم القصدية التي لا يتصور أن تقوم بطريق الخطأ ، ويقسم الركن المعنوي لأي جريمة من قسمين رئيسيين هما (العلم والإرادة) فيجب على الموظف أن يكون على علم بين بأن ما يقدم له من هدية أو وعد بها هو مقابل لقيامه بالعمل أو امتناعه عنه ، فإن انتفى علم الموظف بذلك انتفت جريمة الرشوة.

 

كذلك يجب أن تتجه إرادة الموظف إلى قبول أو طلب الهدية أو الوعد بها ، ففي حالة كون الموظف مكرهاً على القيام بهذا العمل لا تقع جريمة الرشوة ، ومن الأمثلة على ذلك أن يقوم احد الموظفين بتوقيع وثيقة ما تحت تهديد السلاح فهنا لا تقع جريمة الرشوة لانعدام الإرادة لدى الموظف في فعله.

 

على صعيد آخر فإن جريمة الرشوة تقع في حالة كون الموظف قد قبل أو طلب الرشوة وإن لم يكن في نية الموظف القيام بالعمل أو الامتناع عن العمل حقيقة ، فلا يعتبر قيام الموظف بالعمل أو امتناعه عنه من عناصر جريمة الرشوة ، وبالتالي فإن عدم قيامه بالعمل لا يؤثر في جريمة الرشوة في حالة وجود عنصري العلم والإرادة.([32])

 

إلا أن البعض يرى أن جريمة الرشوة تطلب قصداً جرمياً خاصاً إضافة إلى القصد العام ، حيث ينبغي أن يكون لدى المرتشي نية الموظف الاتجار بأعمال وظيفته ، أي أنه قد تلقى العطية أو الهدية مقابل اتجاره بأعمال وظيفته من خلال العمل أو الامتناع عن العمل أو الإخلال بواجبات وظيفته.([33]) ، وترى الدراسة بأن عناصر القصد الجرمي العامة تكفي في جريمة الرشوة وأن القصد الخاص الذي يتحدث عنه البعض موجود فعلياً بعنصر الإرادة.



([1]) النوايسة ، منتصر (2012) ، جريمة الرشوة في قانون العقوبات الاردني ، (ط1) ،عمان ، دار الحامد للنشر والتوزيع ، ص17.

([2]) ابو عامر ، محمد زكي ، مرجع سابق ، ص31.

([3]) النوايسة ، منتصر ، مرجع سابق ، ص25.

([4]) الطماوي ، سليمان (1975) ، الجريمة التأديبية ، دار الثقافة العربية ، ص41.

([5]) سرور ، احمد فتحي (1980)، الوسيط في قانون العقوبات المصري – القسم الخاص ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، ص116.

([6]) - للمزيد أنظر ، الوزير ، عبد العظيم مرسي ، مرجع سابق ، ص26ومايليها.

([7]) الغويري ، أحمد (1989) ، قضاء الإلغاء في الاردن ، (ط1) ، دون دار نشر ، ص241.

([8])أمين ، أحمد (1949) ، قانون العقوبات المصري ، القسم الخاص ، ص8.

([9]) عبد الملك ، جندي، الموسوعة الجنائية ، (ج4) ، (ط2) ، دون سنة نشر ، ص11.

([10]) حسني ، محمود نجيب (1988) ، قانون العقوبات المصري ، القسم الخاص ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، ص26.

([11]) شريفة ، رفاع (2008) ، نظرية الإدارة العامة الحديثة ودورها في معالجة إشكالية ادماج مفهوم الأداء في الخدمة العمومية ، مجلة الباحث ، (ع6) ، ص105.

([12]) خفاجي ، احمد رفعت ، قانون العقوبات المصري ، القسم الخاص ، الطبعة السابقة ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، ص241.

([13]) أبو عامر ، محمد زكي ، مرجع سابق ، ص62.

([14]) تمييز جزاء رقم 17/75 منشورات مركز عدالة.

([15])النوايسة ، منتصر ، مرجع سابق ، ص37.

([16]) وزير ، عبد العظيم مرسي ، مرجع سابق ، ص53.

([17]) تمييز جزاء رقم 35/60 منشورات مركز عدالة.

([18])عليان ، ثائر ممدوح ، الرشوة في القانون الاردني ، بحث مقدم لنقابة المحامين الاردنيين ، دون سنة نشر ، ص14.

([19]) الشاذلي ، فتوح عبد الله (2003) ، شرح قانون العقوبات القسم الخاص ، دار المطبوعات الجامعية ، ص67.

([20]) مدكور ، حسين (1984) ، الرشوة في الفقه الإسلامي مقارنا بالقانون ، (ط1) ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، ص239.

([21]) ابو عامر ، محمد زكي ، مرجع سابق ، ص73.

([22]) وزير ، عبد العظيم مرسي ، مرجع سابق ، ص76.

([23]) حسني ، محمود نجيب ، مرجع سابق ، ص40.

([24]) ابو عامر ، محمد زكي ، مرجع سابق ، ص37..

([25]) وزير ، عبد العظيم مرسي ، مرجع سابق ، ص74.

([26]) قرار تمييز جزاء رقم 95/72 منشورات مركز عدالة.

([27]) حسني ، محمود نجيب ، مرجع سابق ، ص40.

([28]) أبو عامر ، محمد ، مرجع سابق ، ص76.

([29]) خفاجي ، احمد رفعت ، مرجع سابق ، ص256.

([30]) النوايسة ، منتصر ، مرجع سابق ، ص73.

([31]) الرعوجي ، ابراهيم بن صالح ، مرجع سابق ، ص66.

([32]) النوايسة ، منتصر ، مرجع سابق ، ص81.

([33]) ابو عامر ، محمد زكي ، مرجع سابق ، ص57.

تعليقات

عدد التعليقات : 0