المبحث الثالث
عقوبة جريمة
الرشوة
إن
الهدف من القانون الجزائي إيقاع العقوبة على المسيء أو المعتدي لحماية المجتمع
وحفظ أمنه واستقراره ، ويمكن تعريف العقوبة على أنها "الجزاء الذي يقرره
القانون ويوقعه القاضي من أجل الجريمة ويتناسب معها".([1])
وتهدف
العقوبة إلى تحقيق هدفين رئيسيين ، هما:
1.
هدف تعويضي أي تحميل الشخص الذي قام بالجريمة نتيجة أفعاله
الخاطئة وذلك من خلال إيقاع العقوبة عليه.
2.
هدف ردعي يهدف إلى ردع الأشخاص الآخرين عن القيام بمثل
هذا الفعل خوفاً من العقوبات التي قد يقع تحت طائلتها في حال ارتكاب الجرم.
أما
فيما يتعلق بموضوع بحثنا وهو جريمة الرشوة فإن لها نوعان من العقوبات الأصلية
والتبعية ، كما أن هنالك عقوبات سالبة للحرية وأخرى عقوبات تكميلية تتمثل بالغرامة
المالية ، ولكي نتمكن من الإلمام بجميع محاور العقوبة فيما يتعلق بإجرام المرتشي
قسمنا هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب رئيسية ، هي:
-
المطلب الأول: عقوبة الرشوة في التشريع الأردني
-
المطلب الثاني: عقوبة الرشوة في التشريع المقارن
-
المطلب الثالث: الإعفاء من العقوبة
المطلب الأول
عقوبة الرشوة في
التشريع الأردني
تقسم
العقوبة في قانون العقوبات الأردني في جريمة الرشوة حسب واقع حال فعل الموظف العام
، فبالرجوع إلى نص المادة (170 ، 171) من قانون العقوبات نجد أن هنالك ثلاثة
عقوبات تختلف باختلاف فعل الموظف.
فإذا
قام الموظف بفعل الرشوة مقابل عمل محق أي عمل مشروع بحكم اختصاص وظيفته ولا يخالف
القانون ، فيعاقب حسب نص المادة (170) من قانون العقوبات ، فإن العقوبة تكون
" الحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة تعادل قيمة ما طلب أو قبل من نقد أو
عين" ، وتعتبر العقوبة في هذه الحالة من العقوبات الجنحوية.
أما
في حالة القيام بعمل غير محق ، ويقصد بلفظة غير محق أن يكون العمل غير شرعي ومخالف
لأحكام القانون ومقتضيات الوظيفة العامة التي يقوم بها أو أن يكون امتناع عن عمل
كان يجب أن يقوم به الموظف لخدمة صاحب الحاجة بحكم وظيفته العامة فإن هاتين
الحالتين تمثلان جناية وفق المادة (171/1) من قانون العقوبات وتكون العقوبة فيها
".. الأشغال الشاقة المؤقته وبغرامة تعادل قيمة ما طلب أو قبل من نقد أو
عين" ، وتقع ذات العقوبة المغلظة على المحامي الذي يرتكب أي من الأفعال
السابقة المذكورة.
ومن
خلال تتبعنا لقانون العقوبات الأردني نجد أنه حصر العقوبات على مرتكب فعل الرشوة
(المرتشي) بالعقوبات الأصلية السالبة للحرية والعقوبات التكميلية أي الغرامات ،
وهذا أمر غير كاف برأينا لأن جريمة الرشوة يجب أن تتبع ببعض العقوبات التبعية التي
تقترن بالعقوبة الأصلية كالطرد من الوظيفة أو إجراء بعض التدابير الاحترازية بحق
الموظف المرتشي بشكل قضائي أي أن وقوع العقوبة لا يتبعه أي عقاب آخر.([2])
إلا
انه في التطبيق العملي نجد بأن هنالك عقوبات تبعية تلقى على الموظف المدان بجريمة
الرشوة حتى وإن لم يتم النص عليها قضائياً وذلك بحكم القانون ، فالرشوة من الجرائم
المخلة بالشرف والأمانة ويتبع الحكم سواء أكان جناية أم جنحة يستتبع عقوبة تبعية
تلحق بالموظف المرتشي دون الحاجة للنطق بها.
ومن
الأمثلة على ذلك ما نص عليه نظام الخدمة المدنية رقم 82 لسنة 2014 في المادة
(171/1) حيث جاء بها"يعزل الموظف في أي من الحالات التالية: 1-إذا حكم عليه
من محكمة مختصة بأي جناية أو بجنحة مخلة بالشرف كالرشوة والاختلاس والسرقة
والتزوير وسوء استعمال الأمانة واستثمار الوظيفة والشهادة الكاذبة أو أي جريمة
أخرى مخلفة بالأخلاق العامة".
كما
نص قانون الأمن العام على مثل هذا النوع من العقوبات حيث ورد النص في المادة (72/6)
من قانون الأمن العام رقم 38 لسنة 1965 حيث جاء فيها "تعتبر خدمة الفرد
منتهية بعد صدور قرار من المرجع المختص عملاً بأحكام هذا القانون أو أي تشريع أخر
في أحد الحالات التالية:
............6-الحكم
بعقوبة جنائية أو جنحوية مخلة بالشرف والأمانة من قبل محكمة الشرطة إذا كان الحكم
يزيد عن الحبس لمدة 89 يوم.
المطلب الثاني
عقوبة الرشوة في التشريع المقارن
عند الحديث
عن عقوبة جريمة الرشوة في التشريع المقارن لا بد من الحديث بداية عن الشريعة
الإسلامية وتجريمها للرشوة ، فقد اعتبرت الشريعة الإسلامية أن جريمة الرشوة هي
إحدى الجرائم التي تقع عليها العقوبة التعزيرية والجرائم التعزيرية هي التي يترك
لولي الأمر الحرية في تحديدها و تقنينها، و تقنين العقاب الذي يراه مناسبا لها
وفقا للتغيرات الزمنية و اختلاف المكان من حيث العادات و التقاليد و الأعراف التي
اعتاد عليها الناس ، و الجرائم التي تعتبر من قبيل الجرائم التعزيرية هي جريمة
التزوير في المحررات الرسمية و جريمة شهادة الزور و جريمة النصب و خيانة الأمانة و
جريمة الرشوة و اختلاس المال العام و الإضرار به و إهداره.([3])
والعقوبة التعزيرية لجريمة الرشوة في الشريعة الإسلامية قد تكون الجلد أو
الحبس أو التشهير بالموظف المرتشي ، كما أن هذه العقوبة قد ترتفع تبعاً لجسامة
فعله ومدى الضرر الذي لحق بالمجتمع جراء فعله ، فمثلاً إن قام احد الموظفين بإعطاء
تصريح بإدخال اغذية غير مطابقة وحدثت وفيات بسبب هذا التصريح فإن العقوبة عن جريمة
الرشوة قد تصل إلى حد الإعدام.
أما في التشريعات الوضعية فإن التشريع المصري قد نص على مجموعة من العقوبات
لجريمة الرشوة هي الحبس مدة لا تزيد عن سنتين والغرامة التي لا تقل عن مائتي جنيه
ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين ، كما يقضى بمصادرة ما دفعه
الراشي للمرتشي من أموال ، فالمشرع المصري قد تميز عن التشريع الأردني بالنص صراحة
على عقوبة المصادرة.
أما التشريع الجزائري فقد نصت المادة (25) من قانون الوقاية من الفساد
ومكافحته على أن "يعاقب بالحبس من سنتين إلى عشرة وبغرامة من 200 إلى ألف
دينار جزائري " ، فقد تبنى المشرع الجزائري ذات الخطة التي تبنتها اغلب
التشريعات المعاصرة من جمع بين العقوبات المقيدة للحرية والعقوبات التكديرية ، لكن
المشرع قد أضاف بعض العقوبات التبعية التي تتبع للعقوبة الأصلية وقد نصت على ذلك
المادة (50) من ذات القانون.
المطلب الثالث
الإعفاء من
العقوبة
بالتدقيق في نصوص قانون العقوبات الأردني نجد أن المشرع قد اقتصر الإعفاء
من العقوبة على الراشي والمتدخل فقط ، فلا يوجد ما يسمح بإعفاء الموظف من العقاب
حتى وإن قام بالاعتراف بجريمته ، فقد نصت المادة (172/2) من قانون العقوبات على
أنه يعفى الراشي والمتدخل من العقوبة إذا باحا بالأمر للسلطات المختصة أو اعترفا
به قبل إحالة القضية إلى المحكمة.
يستهدف
المشرع بمنح الراشي إعفاءاً من العقوبة في حالة تبليغه عن الموظف المرتشي تشجيع
الراشي على كشف جريمة المرتشي ، لأن جريمة الرشوة من الجرائم التي يصعب إثباتها
بالأدلة التقليدية وإن الراشي يعتبر الشاهد الرئيسي في مثل هذه الجريمة ،فقد لا
يتوفر أي دليل اخر سوى شهادة الراشي لذلك عمل المشرع على منح الراشي والمتدخل بعض الامتيازات
في حال اعترافهم بجريمة الرشوة.
كما
يفترض أن يكون الاعتراف صادراً بعد وقوع الجريمة كاملة الأركان ، ويشترط في هذا
الاعتراف أن يكون سابقاً على إحالة الأمر إلى المحكمة المختصة ، والهدف من ذلك
إضافة إلى ما ذكر سابقاً من إقامة الدليل على المرتشي ، كذلك فإن لهذا الاعتراف أن
يزرع الشك والريبة بين الراشي والمرتشي وعدم منحهم قدراً كبيراً من الثقة فيما
بينهم.
يشار
إلى أن الاعتراف المنصوص عليه في المادة (172/2) من قانون العقوبات لا يشمل جريمة
عرض الرشوة المنصوص عليها في المادة (173) من قانون العقوبات ، ويعود ذلك لأن عرض
الرشوة الصادر عن الموظف دون اقترانه بقبول من قبل الراشي يعني أن صاحب المصلحة لم
يرتكب أي جرم ، فالاعتراف يقتضي وقوع المعترف بالجرم وفي المادة (173) من قانون
العقوبات لم يكتمل الجرم فيها من جهة الراشي لذلك تكون الحالة هنا منعدمة.
ويرى
الأستاذ محمود محمود مصطفى أن الإعفاء من العقوبة يمثل حقاً للراشي وليس منحة من
الدولة ، حيث قال "أن أسباب الإعفاء من أسباب عدم تطبيق العقوبة بحيث يستفيد
المتهم بالإعفاء منذ اللحظة التي يتحقق فيها سبب الإعفاء ، وإن إعفاءه من العقاب
ليس منحة ، وإنما هو حق له بمقتضى القانون ، فمنذ البوح (الإخبار) أو (الاعتراف)
يتمتع الجاني بالإعفاء ، وبعبارة أخرى تنقضي في هذا الوقت سلطة الدولة في
معاقبته".
ومعنى
هذا الكلام أن الجريمة تبقى قائمة في مواجهة الراشي إلا أن ظهور مانع من موانع
العقاب يحول بين الجاني (الراشي) وبين العقوبة المقررة قانوناً والمانع هذا هو
البوح أو الاعتراف بارتكاب الجريمة ، فالمانع من العقاب لا ينفي الجريمة عن
الراشي.
وترى
الدراسة أن مسألة الإعفاء التام من العقوبة بالنسبة للراشي قد تؤدي إلى نتائج
معاكسة لمقصد المشرع الأردني ، وذلك لأن الإعفاء من العقوبة قد يشجع صاحب المصلحة
بأن يعرض الرشوة على الموظفين وبعد أن يقضي حاجته يقوم بالاعتراف وهو يعلم بأن لا
عقوبة عليه ، أي أن صاحب المصلحة يقوم بعرض الرشوة بجرأة اكبر فإن قبل الموظف أو
رفض فإن صاحب العلاقة قد يقوم بالاعتراف والاستفادة من الإعفاء المذكور.
أما
في حالة العرض الخائب للرشوة فإن المادة (173) من قانون العقوبات قد نصت على انه
"من عرض على شخص من الأشخاص الوارد ذكرهم في المادة (170) هدية أو منفعة أخرى
أو وعده بها ليعمل عملا غير حق أو ليمتنع عن عمل كان يجب أن يقوم به عوقب إذا لم
يلاق الغرض أو الوعد قبولا بالحبس لا اقل من ثلاثة أشهر وبغرامة من عشرة دنانير إلى
مائتي دينار" ، نلاحظ بأن جريمة العرض الخائب للرشوة هي من الجرائم الجنحوية
التي وضعها المشرع لمواجهة محاولات الراشي للإيقاع بالموظف العام في براثن الرشوة
، وكذلك الحد من إقدام الراشي على محاولة التغرير بالموظف العمومي.