ماهية جريمة الرشوة في القانون الاردني

دار العلوم
المؤلف دار العلوم
تاريخ النشر
آخر تحديث

 

المبحث الأول

ماهية جريمة الرشوة

 

تعتبر الرشوة من الجرائم التي اقتحمت مجتمعاتنا بشكل خطير في كافة المجالات الإدارية في الدولة ، والتي حاولت التشريعات الأردنية عامة وقانون العقوبات خاصة مقاومتها والحد منها ومن أثارها السلبية على الدولة والمجتمع التي أضحت تهدد الاستقرار المجتمعي والثقة بالإدارة العامة لدى الأفراد ، وتعتبر الرشوة من الجرائم المخلة بالوظيفة العامة والتي تمثل دوراً من ادوار الفساد الإداري.

 

سوف نحاول من خلال هذا المبحث أن نّلم بماهية هذه الجريمة من خلال تعريفها والاطلاع على أشخاصها والتمييز بين الرشوة وغيرها من الأفعال التي قد تسبب لبساً على الباحثين في جريمة الرشوة ، لذلك فإننا قسمنها هذا المبحث إلى مطلبين رئيسيين هما:

-                   المطلب الأول: تعريف جريمة الرشوة وأشخاصها

-                   المطلب الثاني: التمييز بين الرشوة وغيرها من الأفعال

 

المطب الأول

تعريف جريمة الرشوة وأشخاصها

 

إن مصطلح الرشوة من المصطلحات الحديثة القديمة والتي تشير إلى ظاهرة قديمة حديثة كذلك ، قد لا يكاد يخلو منها التاريخ القديم أو الحديث ، وسوف نقوم من خلال هذا المطلب بتناول تعريف جريمة الرشوة لغة واصطلاحاً في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية كما سوف نتناول من خلال هذا المطلب أشخاص جريمة الرشوة وأدوارهم في هذه الجريمة ، وحتى نتمكن من الإلمام بتعريف جريمة الرشوة وأشخاصها قسمنا هذا المطلب إلى فرعين رئيسيين هما: تعريف جريمة الرشوة بالفرع الأول وأشخاص جريمة الرشوة بالفرع الثاني.

 

الفرع الأول

 تعريف جريمة الرشوة

 

تعرف الرشوة لغة بأنها ﺍﻟﻭﺼﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺎﺠﺔ ﺒﺎﻟﻤﺼﺎﻨﻌﺔ([1]) ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف " لعن الله الراشي والمرتشي والرائش"([2]) ويقال كذلك أرشت الشجرة أي امتدت أغصانها ، كما يقال عن الراشي انه من يعطي الذي يعينه على الباطل ، والمرتشي هو الذي يأخذ المال ، والرائش هو الساعي بينهما ، وقد ورد في القران الكريم ما يدل على معنى الرشوة حيث جاء فيه " وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ".([3])

 

أما في الاصطلاح القانوني الحديث يمكننا تعريف الرشوة على أنها "اتجار بأعمال الوظيفة أو الخدمة"([4]) ، كما يمكن تعريفها بأنها "اتجار الموظف العام بأعمال وظيفته ويقتضي هذا الاتجار قيام اتفاق بين الموظف (صاحب الوظيفة) وبين الطرف الأخر في الجريمة (صاحب المصلحة أو الحاجة).([5])

 

يتفق هذا التعريف الأخير للرشوة مع تعريف الدكتور محمد زكي أبو عامر حيث جاء في تعريفه للرشوة أنها " اتجار موظف في أعمال وظيفته ، عن طريق الاتفاق مع صاحب الحاجة أو التفاهم معه على قبول ما عرض الأخير من فائدة أو عطية ، نظير أداء أو امتناع عن أداء عمل يدخل في نطاق وظيفته أو دائرة اختصاصه".([6])

 

يدور تعريف جريمة الرشوة بشكل عام من الناحية الاصطلاحية حول اتجار الموظف العام ، وذلك كون الموظف العام يتمتع ببعض السلطات في وظيفته وهذا يعطيه القدرة على الاتجار بها لذلك فإن القانون يمنعه من طلب الرشوة أو قبول الوعد بها ، باعتبار ذلك من صور الاتجار بأعمال الوظيفة.([7])

 

نلاحظ أن الفقهاء القانونيين قد ضيقوا من مفهوم الرشوة وحصروها بالموظفين العموميين ومن هم بحكمهم فالرشوة هي فعل يرتكبه موظف عام أو موظف ذو صفة عامة أو القائم بخدمة عامة عندما يتجر بوظيفته ويستغل السلطات المخولة له بأن يطلب أو يقبل هدية أو وعد بهدية أو أي منفعة مباشرة أو غير مباشرة لأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجباتها ، ويرى الباحث أن جريمة الرشوة يجب أن ينطوي تحت مفهومها ذوي النفوذ من جميع الفئات بغض النظر عن كون المرتشي موظف عمومي بل يجب أن تشتمل على كل من يمتلك سلطة آو نفوذ وقد قام باستغلال هذه السلطة أو النفوذ.

 

الفرع الثاني

 أشخاص جريمة الرشوة

 

عند التحليل العملي والمنطقي لجريمة الرشوة فإنها تفترض وجود شخصين على الأقل لوقوع هذه الجريمة هما الراشي والمرتشي والوسيط أو ما يطلق عليه البعض اسم الرائش ، وسوف نقوم من خلال هذا الفرع ببيان ماهية كل شخص أو طرف من أطراف هذه الجريمة:

أولاً: الراشي: وهو الشخص صاحب الحاجة الذي يقوم بدفع الرشوة ، والذي يعمل على تحفيز الطرف الآخر على أن يقوم بالعمل الذي يرغب به لقاء المال أو خدمة أو وعد بشيء ، ويطلق على عملية العرض (عرض الرشوة) الإرشاء ، ويسمى جرم الراشي بالرشوة الإيجابية ، ولا يشترط في الراشي أن يكون شخص بمفرده فقد يكون جماعة من الأشخاص أو الشركاء.

 

ثانياً: المرتشي: وهو الشخص الذي يقبل الرشوة ويمتلك النفوذ والسلطة والجاه ، ويشترط القانون فيه أن يكون موظف عمومي ، ويعتبر المرتشي الركن الأساسي من أركان جريمة الرشوة والتي سوف نقوم بتفصيلها لاحقاً من خلال هذه الدراسة ، ويتمثل فعل المرتشي بأخذ مال أو منفعة أو وعد بمنفعة لقاء عمل يقوم به من خلال السلطة المخولة له.

 

ثالثاً: الوسيط: ويطلق على هذا الطرف اسم الرائش ويقصد به الشخص الذي يسعى بين طرفي جريمة الرشوة الأول الراشي  والثاني المرتشي لإتمام هذه الجريمة ، فالوسيط هو الطرف الذي يسعى بين الراشي والمرتشي للتقريب في وجهات النظر ووضع قواعد للاتفاق والتمهيد للأطراف وتسهيل عملية الرشوة في جوانبها المختلفة ، وقد تقع جريمة الرشوة دون وجود هذا الطرف الوسيط كأن يتم الاتفاق بشكل مباشر فيما بين الطرفين (الراشي والمرتشي).([8])

 

رابعاً: المستفيد: وهو شخص يعينه أو يوافق على تعيينه المرتشي للحصول على المنفعة من الراشي وقد يشكل فعل المستفيد نوعاً من أنواع الاشتراك ، ولا يشترط وجود مستفيد مستقل عن المرتشي في جميع جرائم الرشوة.

 

المطلب الثاني

 التمييز بين الرشوة وغيرها من الأفعال

 

قد يحدث خلط في بعض الأحيان فيما بين بعض التصرفات التي يقوم بها من قد ينسب إليه صفة الرشوة فقد يقوم احد الموظفين العموميين بتلقي هدية من شخص لا يوجد لديه أي مصالح أو قد يأخذ عمولة من احد الأشخاص المرتبطين بأعمال خارجية لا علاقة لها بمصدر نفوذه أو سلطته الخارجية ، ولكي نتمكن من الإلمام بالفروق بين الرشوة والهدية والرشوة والعمولة قسمنا هذا المطلب إلى فرعين.

الفرع الأول

 الفرق بين الرشوة والهدية

 

قبل الخوض في الفرق بين الرشوة والهدية لا بد من الإشارة إلى أن الرشوة تتمثل بدفع مال أو منفعة لكنها في جوهرها أمر ممقوت ، والهدية تتمثل في دفع مال أو منفعة لكنها في جوهرها أمر محمود ، ومدعاة هذا المقت أو الحمد هو الغاية من الفعل ذاته ، وكذلك وجود علة التجريم من عدمها في كلا الفعلين ، فالرشوة أمر مجرم قانوناً والهدية لا يوجد ما يمنعه قانوناً.

 

وتعرف الهدية على أنها نوع من أنواع التبرع والتفضل على شخص أخر سواء بمال أو غير مال وتكون الهدية دون عوض ويشترط في الهدية أن تكون بقصد تمليك المهدى إليه للعين المهداة ، وإذا كانت الهدية لا تنتهي بتمليك المهدى إليه كانت بمثابة الإعارة ، كما يجب أن تكون الهدية مشروعة فلا يجوز إهداء ما لا يكون مشروعا بأصله.([9])

 

وتختلف الرشوة عن الهدية في عدة نقاط منها:([10])

1.   أن الهدية من الأمور المشروعة شرعاً وقانوناً والتي تساهم في تقوية المجتمع وتوطيد العلاقات فيما بين أفراده ، أما الرشوة فهي مجرمة شرعاً وقانوناً وتسهم في زعزعة المجتمع وهدمه.

2.   الهدية لا تتعلق بشرط عند تقديمها ، أما الرشوة فهي تتعلق بشرط ما كأداء خدمة معينة أو تسهيل إجراء من الإجراءات ، والشرط في الرشوة في غالب الأحيان يكون غير مشروع.

3.   الهدية تأتي بعد تمام العمل كمن أسدى معروفاً لشخص ما فأراد أن يتودد إليه ويشكره فيقوم بإعطائه هدية بعد انتهاء العمل دون اشتراط ذلك سابقاً ، أما الرشوة فتشترط سابقاً على إتمام العمل كأن يشترط إعطاءه مبلغ من المال أو خدمة قبل إتمام العمل.

 

وبناءاً على ذلك فإننا نرى أن الهدية مشروعة ومرغوب بها شرعاً وقانوناً ، ولها أثر مضاد لأثر الرشوة في مواجهة المجتمع ، فالهدية تؤلف القلوب والعقول على المحبة ، وذلك خلافاً لأثار الرشوة التي تورث العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع ، فالهدية تدفع بطيب نفس من قبل المهدي تقديراً له وتطيباً لخاطره وهذا أمر مشروع ، لذلك فلا يخفي المهدي هديته عن العامة كما يفعل الراشي والمرتشي.

 

الفرع الثاني

الفرق بين الرشوة والعمولة

 

العمولة هي مبلغ من المال يتقاضاه شخص لقاء قيامه بعمل ما أو التوسط في مسألة ما ، والعمولة في مجملها من الأمور المشروعة لأنها تتمثل بالقيام بعمل ما لقاء أجر أو تسهيل أمر ما مشروع لقاء أجر ولا يوجد ما يمنع ذلك ، كأن يأخذ العامل أو مكتب العمل أجرة لقاء خدمة مشروعة ، مثال ذلك أن يقوم مكتب ما ببيع سيارتك أو عقارك مقابل اجر معلوم أو أن يقوم احد الأشخاص بإجراء معاملة لك في دائرة رسمية لا يعمل بها مقابل أجر.

 

أما الرشوة فهي تختلف عن العمولة لأن عمل الموظف العمومي يقتضي عدم تقاضيه أي مبالغ أو عمولات أو سواها من المستفيدين لحسابه ، لأن الهدف من منع الرشوة هو منع اتجار الموظفين بأعمال وظيفتهم ، أما العمولة فهي جائزة من غير الموظف ولا تجوز للموظف العام في أعمال وظيفته.

 

وتختلف الرشوة عن العمولة فيما يلي:

1.    الأعمال التي يقوم بها الشخص لقاء عمولة لا تكون واجبة عليه ، أما في حالة الرشوة  فإن الشخص الذي يقوم بالعمل لديه سلطة القيام به وهو من الأعمال الموجبة عليه بحكم وظيفته ومن الأمثلة على ذلك الحصول على سند ملكية العقار من قبل الموظف المختص فلا يجوز دفع مال لهذا الموظف للقيام بهذا العمل وان تم ذلك فتعتبر رشوة ، بينما يجوز دفع مبلغ لأحد الأشخاص لكي يقوم بإحضار هذه الورقة نيابة عن الأصيل مقابل عمولة.

2.    يشترط في العمولة أن تكون لقاء خدمة مشروعة وإلا وقع الفعل تحت طائلة التجريم ، أما في حالة الرشوة فإن الفعل يكون في الغالب غير مشروع أو فيه ابتزاز للراشي.

3.    تتطلب العمولة أن يكون هنالك جهد في العمل الذي قام به الشخص ، لا مجرد استخدام الجاه والسلطة في إجراء المعاملة ، فمثلاً لو أن شخصاً قام بالاتصال بأحد أقاربه الذي يعمل في إحدى الدوائر الرسمية وقام الأخير بإجراء العمل فهنا نكون أمام جريمة رشوة. 



([1]) ابن الأثير ، مجد الدين ابي السعادات المبارك بن محمد الجزري (1383هـ) ، النهاية في غريب الحديث والأثر ، تحقيق محمود محمد الطناحي وطاهر احمد الزاوي ، بيروت ، المكتبة الاسلامية ، (ج2) ، ص226.

([2]) رواه الإمام احمد في المسند عن ثوبان برقم (22762) ، مسند الإمام احمد ، دار احياء التراث العربي ، 1993،

([3]) القرأن الكريم ، سورة البقرة ، الأية 188.

([4]) مصطفى ، محمود محمود (1984) ، شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، (ط8) ، القاهرة : مطبعة جامعة القاهرة ، ص9.

([5]) وزير ، عبد العظيم مرسي (2005) ، شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، (ج1) ، (ط4) ، القاهرة : دار النهضة العربية ، ص8.

([6]) أبو عامر ، محمد زكي (1978) ، شرح قانون العقوبات المصري ، القسم الخاص ، القاهرة : دار المطبوعات الجامعية ، ص33.

([7]) النوايسة ، منتصر (2012) ، جريمة الرشوة في قانون العقوبات ، (ط1) ، عمان ، دار ومكتبة الحامد ، ص17.

([8]) الرعوجي ، ابراهيم بن صالح بن محمد (2003) ، التدابير الواقية من جريمة الرشوة في الشريعة الاسلامية ، دراسة تطبيقة ، بحث منشور ، أكاديمية نايف للعلوم الامنية ، ص26.

([9]) الحميد ، محمد بن ناصر (2012) ، هدايا العمال بين الشريعة والنظام ، رسالة ماجستير ، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ، ص12.

([10]) الحميد ، محمد بن ناصر ، مرجع سابق ، ص25.

تعليقات

عدد التعليقات : 0